قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
أرجوك إذا كنت تعي معنى هذا الحديث تمام الوعي، لا تكمل قرأه المقال لأنه لا أبلغ ولا أعمق ولا أدق ولا أصلح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يغني عن قول سواه من البشر.
أما إن أحببت أن تقرأ كلامي فأقبل لأحرفي قلبك، إني مرسلاً كلاماً من القلب آملاً أن يصل إلى القلب. اللهم أرزقني صدق النية والقول.
أخي الغالي يعتقد كثيراً من الناس أن أهم شيء هو صلاح القلب وحتى لو ظهر من سلوك خلاف ذلك، المهم أن يكون الإيمان في القلب راسخا. وكما يفعل الكثير؛ يشير إلى صدره ويقول: “المهم الذي هنا!”. وأقول أن هذا الكلام صحيح من جهة وهذا مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الآنف، ولكن فهم بعض الناس يكون قاصر ويعتقد أن صلاح القلب يكفي بأن يشعر بانتسابه إلى الدين وبالتوحيد فقط. وهذا الفهم يفتقر إلى الجانب الآخر وهو صلاح سائر الجسد.
فإذا صلح القلب وذلك بسلامته من الغل والحسد والطمع والجشع وحب الذات والحقد والغيرة الزائدة والغش والخيانة والنظر إلى ما في أيدي الناس والأنانية والخبث وغيرها من أمراض القلوب من نميمة وغيبه وغفلة وبعد القلب عن الخشوع والتأثر بآيات الله. وكان القلب ملئ بالأيمان وخشية الرحمن بالسر والعلن وكان تقي نقي سليم النية وحسن الظن وكان طيب محب طاهر أبيض.
فإن هذا ينعكس على الظاهر ولا شك، ولا أدل على ذلك إلا أنك ترى أحياناً أناس وجوههم مشعه بنور الإيمان الذي في قلوبهم، وتعرفهم بتعاملهم وحسن خلقهم وطيب معشرهم ونقاء سرائرهم. هم كالأزهار في بهائهم وكالأقمار في نقائهم وكالبحار في سعة صدورهم. على عكس صاحب القلب الميت فإنك ترى في وجهه ظلمه وكآبه موحشة، وفي سلوكهم غلظه وجفاء وربما ظلم وجور، وسخف وقلة حياء.
سبحان الله؛ شتان بين الصنفين وفرق كبير بين النقيضين، ومع أننا نتعايش مع بعضنا وربما أصاب أحدنا شيء من أحد الجانبين، لكن الله سبحانه منّ علينا بعقل ندرك به، وضمير نشعر به. لذلك هذه دعوه لكي نرتقي بذواتنا من الدون إلى العلا وأن نكون كما يحب المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولنختار لأنفسنا أسمى الصفات ولنزكي قلوبنا ونطهرها ونعالجها، لكي تكون حياتنا أكثر سعادة وأنس بالله.
والآن لنقول جميعنا: “المهم الذي هنا” ولكن بالفهم الصحيح الذي ينعكس على واقع سلوكنا.