خرجت إلى الشرفة…ووقفت على الأطلال…وسألت نفسي…كيف كنت وإلى أي شيء صرت!
اشتقت لصوت الأذان يعلو في المكان…وينتشر في السماء الله أكبر الله أكبر….حي على الصلاة…حي الفلاح…الصلاة خير من النوم….
والآن! أين أنا من هذا؟ وكيف لا أسمع هذا النداء؟
الفلاح وهل هنا فلاح غير الفلاح الدنيوي؟ وما ينفع فلاح الدنيا مع ضياع الآخرة وأسفي!
خير من النوم…لا بل هنا ما هو أسوء من النوم والله المستعان…

سبحان الله…تذكرت مسجد أحبه وأفرح بالصلاة فيه…وكيف الناس يجتمعون فيه … وجوه خاشعة طاهرة متوضئة مؤمنه مخبته إلى الله منقادة … ونفوس إلى لقيا ربها مشتاقة…اصطفوا وتراصوا ووقفوا واجتمعوا بجوار بعضهم على أعظم شيء في الحياة … وفي بيت من بيوت الله… في أطهر مكان وأشرف بيت… وقالوا جميعاً الله أكبر…
الله أكبر من كل شيء…من العقار وأموال التجار…من الزوج والعيال…من العمل والعمال…من الدراسة والمذاكرة…حتى من شهوات النفس ولذاتها…
ثم انتبهت لحالي وإذا أنا الآن …أصلي في غرفة صغيرة ومع ثلة طيبه قليله…وما أحد يسمع صوت الأذان سوانا…وكيف يكون ذلك ونحن تحت الأرض… وفي أرض غريبة لا تعرف للإسلام قدرا!!!
وبجوارنا الضد … وهل يتجاور الضدان؟ هاهو يحصل في هذا الزمان هنا في بلاد العجائب!
تجاور الموسيقى و الأذان وصوت الرحمن…وتجاور الرقص بأعظم شعيرة وألذ عبادة!
تجاور الإيمان وقلوب الخاشعين….بالكفر وقلوب اللاهين…
غرفة صلاة…بجوار غرفة رقص!

فاغتممت وأردت أن أدخل غرفتي… وأترك همي في الشرفة…حتى يأتي اليوم الذي آتي وأطرحه…من الطابق الثاني عشر على ركام الأشجار المهملة…فيتقطع ويتناثر…وأنساه وأرتاح….

ألتفت فإذا بكوب القهوة الغربية!…وأنا لا أحبها كثيراً …لكني ما أفعل فقد فقدت ذلك الفنجان…مع لمه الوالدين بالإخوان…آه ما أطعم تلك القهوة العربية…حتى ولو شربتها هنا فلا أظن أن لها طعم يذكر…وهل يعدل تلك اللمه شيء؟ وهل يغني أن كنت أحتسي نفس القهوة عنها؟….

قررت أن أخرج وأنسى رائحة القهوة العربية… ولكني لا أستطيع أن أنسى من يجلس لها في اجتماع لا مثيل له…
قلت يا عصام…كأنك تحس بالجوع! فهل تريد صحن (جريش!) أو (كبسة دجاج!) أو (صينية خضار!) …لا … أريد على الأقل (شاورما!)
ضحكت من نفسي على نفسي…وأنى لي مثل هذا؟
دخلت للمطعم قلت للنادل هات هذا وأشرت إلى الصورة…فلما أحضر لي الطعام…فإذا بالطعم الغريب … وكأنهم وضعوا في الطبق…أنواع التوابل الحارة…ولم ينسوا (الفلفل !) طبعاً… احترت بين الجوع وبين أكل هذا الطعام…
ياعصام سم الله وكل على بركة الله….
آه يا بطني….يوم أسود هذا!
وليلة كئيبة…امتدت إلى ظهر اليوم التالي…فضاع الدرس…وخارت القوى… وتحكم بي بطني وتركت عقلي…
فقلت أيا رب لا تحرمني من طبخ أمي!!!

وحول غرفتي الصغيرة…خمور…وفجور…غناء … وشهوات…وكيف لمثل هذا المكان أن تدخله الملائكة…بل هو مرتع لكل شيطان… شيطان الأنس والجان…ولا حول ولا قوة إلا بالله…

غريب يمشي… تعالوا بسرعة نتلقط له صورة… وهو لا يدري هكذا ضنوا…
شكله غريب أنظر إلى لحيته….أنت أنت يا من تمشي هنا….من أين أتيت…هل أنت من المريخ؟ هكذا تهامسوا …وودوا لو قالوا….

عجيب المنظر والهيئة…بين جموع من الناس يمشي…
ذاك يلعب الكره…وآخر يعزف بالمزمار…وتلك بل وجموع هؤلاء…كاسيات عاريات…
هذا يبيع الشواء…ولا تسأل عن ما هو!…وآخر أفترش الأرض يبيع بعض الأدوات…وناس في ذهاب ومجيء… وصوت الموسيقى والغناء يعم المكان…
وكأس الخمر في كل مكان يدور…

غربة الدين…والوطن…

ولكن هل مثلي أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم!
حاشى وكلا ….

لقد كان غريب الدين…بل كان قلبه الوحيد العامر بالإيمان…ثم جاء معه خير صحبه …وأفضل الناس على مر الأزمان…
هم قدواتنا…ونحن لهم تبع…نشروا في المعمورة الدين…فما وهنوا ولا استكانوا ولا ضعفوا أو خاروا….هم للخير فاعلين…وللمعروف آمرين وعن المنكر ناهين…عاشوا في قلب الجهل والخرافة …بل وخرجوا منه إلى نور الإسلام وحلاوة الإيمان…. ذاقوا صنوف الأذى…ولا قوا أسوء المعاملات…حوربوا وقوتلوا…لكن الغلبة كانت لهم ولو بعد حين…
ربي أسألك أن تجعل إمامهم عليه الصلاة والسلام قدوة لي ولكم…وأصحابه وأتباعه…منارات الهدى خير دليل وفي سيرهم خير معين…

ربي أحفظ علي ديني…ولا تفتني فيه…ورحم الله امرئ قال أمينا…